بالنسبة لأهل الكتاب فقد كانت الفكرة عند بني إسرائيل واضحة جداً, وتعترف بذلك الكتابات النصرانية المتأخرة, كما في دائرة المعارف الكتابية؛ أن هنالك مُخلّصاً سوف يظهر وينقذ العالم البشري والإنساني؛ لكن دخل التحريف عندهم؛ بأن الخلاص سيكون لشعب إسرائيل فقط!
وهم كالعادة حرفوا وضيقوا دين الله تبارك وتعالى, وضيقوا شرع الله, وأمره, ووعوده؛ بأن جعلوها محصورة في الشعب الإسرائيلي؛ فجعلوا كأن الدين الذي أنزله الله تبارك وتعالى دين قومي أو قبلي ولا علاقة لبقية الشعوب به.
في واقع الأمر أننا يمكن أن نجد في التاريخ العام للبشرية في الهند أو في الصين أو في الشعوب الإيرانية وغيرها؛ أننا نجد انتظار الرجاء والأمل الموعود والمملكة التي تقوم في آخر الزمان أو الجنة أو على أي تأويل من التأويلات؛ أننا نجدها ظاهرة عند جميع الشعوب حتى التي لم تضطهد؛ لأن الأمر -كما قلنا- هو أمر الاضطهاد الديني أو الشعور بأن ما يُفعل في الأرض هو شر لا ينسجم مع الفطرة, أو مع الإيمان أياً كان هذا الإيمان عند من يتخيلوه.
وهذا لأن هناك بقايا من علم موروث تأتي فتؤيده وتشجعه فيظل متداولاً مستمراً، علم موروث عن الأنبياء الأوليين وعن الآباء، وكذلك واقع يدعو ويحفز إلى أن تؤمن به, وأن تعتقده، فهو ظاهرة وسمة إنسانية مشتركة عند جميع الشعوب, وليس فقط عند الشعب الإسرائيلي، وإن كان بنو إسرائيل تعرضوا ربما أكثر من غيرهم للأذى والاضطهاد والتشتيت والتدمير, لأسباب لا علاقة لها بموضوعها الآن.
على أية حال نحن نجد أن الهندوس يعتقدون بظهور هذا المخلص -وإن شاء الله نأتي بشواهد من كتبهم في حينه عند الكلام بالتفصيل عن بشارات النبي صلى الله عليه وسلم - المجوس الزرادشت؛ الذين ينتسبون إلى زرادشت يعتقدون بأنه سوف يظهر سوشن أو ثوثن -كما تختلف اللهجة فيه- الذي هو المنقذ والمخلّص الذي يخلص الشعوب الإيرانية من الاضطهاد, والذي يملأ الأرض عدلاً بعدما ملئت جوراً وظلماً، وهذا بالذات موجود, وكثير من المعاني أو الصفات التي تطلقها الزرادشتية أو تلبسها عليه موجود في عقيدة الفرقة الاثنا عشرية -على ما سيأتي إن شاء الله تبارك وتعالى- نقلوا واقتبسوا منها الكثير، فعندما دخلت هذه الشعوب في الإسلام إما حقيقة؛ لكن مع ضعف في الفهم، وإما نفاقاً كما دخل بعضهم فألبسوا بعض هذه العقائد القديمة لباساً إسلامياً جديداً؛ فأصبحت الصفات المتشابهة لمن يسمونه المهدي المنتظر أقرب ما يكون إلى المخلص أو المنقذ في الفكر الإيراني المجوسي القديم.
أضف تعليقا
تنويه: يتم نشر التعليقات بعد مراجعتها من قبل إدارة الموقع